مقالاتمن هنا وهناك

حين يعلن المقالح اليأس ……ماذا يعني؟

اخباري نت – عبدالله صلاح :الذي يمتهن الكتابة كحرفة وقيمة إبداعية ووطنية وإنسانية، قد يصمت ويتعطل قلمه عن الكتابة عندما يحس بخطورة على حياته، أو عندما يكون على يقين بعدم جدوائية ما يكتبه…..
أستاذنا الكبير الدكتور (عبد العزيز المقالح) ليس كاتبا وشاعرا فحسب، إنه الكاتب والشاعر والمثقف الموسوعة والمفكر والناقد والفيلسوف والصحفي والمصلح الاجتماعي والسياسي. إنه واجهة اليمن في العصر الحديث، واجهتها الثقافية والأدبية والإبداعية بشكل عام…
في عام (2015 م)، قمت بزيارة لأستاذنا الكبير الدكتور المقالح إلى مكتبه بمركز الدراسات والبحوث اليمني، وعند الخروج من مكتبه أخذ بيدي، وهمس في أذني (لا تكثر من الكتابة في السياسة، بل من الأفضل أن تدعها في هذه الفترة، فلا ندري إلى أين تمضي الأمور¿).
لم أكن أعلم أن أستاذنا الكبير المقالح يتابع ما أكتبه من مقالات سياسية ناقدة في أكثر من صحيفة يمنية. ومع أخذ النصيحة على محمل الجد في حينه، إلا أنني تماديت وعصيت أستاذي، واستمريت في الكتابة السياسية بدافع وطني خالص، ولم أدرك مغزى النصيحة وقيمتها إلا بعد أحداث ديسمبر 2017م…
المهم، حين يكتب وينشر أستاذنا المقالح قصيدة تحمل عنوانا مباشرا وواضحا، لا يحتمل اللبس والتأويل (أعلنت اليأس)، فهذا أمر ليس بالهين، لمن يعرف جوهر الدكتور المقالح وحقيقته، وحجم مقدرته على الصبر والتحمل ومداراة الآخرين، حتى الخصوم.
لا شك في أن توقيت القصيدة يحمل دلالات واسعة، فالشاعر المقالح – أطال الله عمره- يطلق صرخته الشعرية المدوية بعد أن حبسها لسنوات، وهو يرى الوطن يسقط في أتون الفوضى والخراب والتمزق والحروب الأهلية والاستبداد والتطرف والعنصرية.
عندما يقول شاعرنا الكبير المقالح في هذه القصيدة:
أنا هالكٌ حتماً
فما الداعي إلى تأجيل
موتي.
فهو يعلن للناس هلاك نفسه وهلاك الوطن، ولم تعد لديه القدرة على الصبر وتحمل سكرات الموت كل يوم، بل كل ساعة ولحظة، إنه يموت بموت هذا الشعب ويهلك بهلاكه المتدفق والمتواصل منذ سنوات…..
شاعرنا الكبير المقالح لا يتحدث عن الموت الطبيعي والحتمي، فالهلاك غير الموت، في الواقع وفي التصوير الشعري، لأن الهلاك نتيجة فعل بشري، ولذا يقول (فما الداعي إلى تأجيل موتي). أي إنه يتعرض للتعذيب والهلاك، وأن موته أصبح رحمة له من العذاب اليومي، والهلاك الذي يحصد كل شيء في هذا الوطن..
ماذا بقي له في هذه الحياة، وقد فقد كل شيء، حتى الصوت واللغة والأسئلة والوقت، فلا فرق بينه وبين الموتى في المقابر، (أنا سائرٌ وسط القبورِ/ أفرُّ من صمتي لصمتي).
لقد حاول شاعرنا المقالح أن يمسك نفسه، وأن يكابد العناء وألا يفصح عن يأسه ، كما يقول هو في القصيدة (حاولتُ ألاَّ أرتدي /يأسي / وأبدو مطمئناً)، لكنه عجز وباء بالفشل، لأنه رأى هذا اليأس ينهش قلوب اليمنيين، وهو بلا حيلة ولا وسيلة، ولا طاقة له؛ لبعث الطمأنينة في قلوبهم من جديد، فاستسلم للواقع وأعلن يأسه معهم، وأفصح عن رغبته في مغادرة هذه الحياة البائسة، وهذا الزمن التعيس والكئيب كما صوره في القصيدة…
شاعرنا الكبير المقالح، لا يكتفي بالتلميح والإشارة عن سبب اليأس في مطلع القصيدة، -فالمقام آكبر من اللمحة الشعرية- بل إنه يعلن للناس والملأ جميعا السبب، فهو لم يعد لديه وطن يفاخر به، ويعيش فيه بحرية وطمأنينة وسلام، إذ يقول:
(أنا ليس لي وطنٌ / أفاخر باسمهِ / وأقول حين أراه: / فليحيا الوطنْ).
يا الله كم أبكتني هذه السطور الشعرية، أنا أبكي الآن وأكتب، هناك كثير لا يعرفون ما معنى أن تفقد الوطن، معناه أنك بلا حرية، وبلا عزة، وبلا كرامة، وبلا أمل، وبلا أحلام، وبلا حاضر وبلا مستقبل، وقبل ذلك بلا هوية..
ماذا أنت، ومن أنت، وأنت بلا هوية، وبلا عزة وبلا كرامة¿.
شاعرنا الكبير المقالح لم يعلن اليأس إلا بعد أن أدرك وآمن أنه قد فقد الوطن على الحقيقة لا المجاز، ولذلك كان يأسه كليا..
اليأس قد يتجزأ، ولا إشكالية من اليأس بفقد محبوب، أو صديق، أو من فقد أشياء مادية، فهي أشياء قابلة للتعويض، أما يأس المقالح فهو يأس كلي، يأس من الزمن، ويأس من المكان ويأس من الإنسان، (وفقدت وقتي) و (هذا زمان للتعاسة والكآبة) و (أنا سائر بين القبور) و (أنا ليس لي وطن)، و (أخشى عليك من القريب/ودونما سببٍ/ أخاف عليك منكِ ).
ماذا بقي لك وأنت تخشى من القريب، وتخاف نفسك¿.
ماذا بقي لنا في هذا الوطن وقد يئيس منه أكبر عقل فيه، وأكبر قلب، وأسمى روح¿!
ماذا بقي لنا سوى الموت والجوع والقهر والظلم والاستبداد والمقابر والأيتام والأرامل والكراهية والأحقاد والثارات والعاهات¿.
ماذا بقي لنا سوى أن يقتلنا اليأس، أو يقتلنا بأس الأخوة الأعداء، الأشداء على بعض وعلينا والرحماء مع الفاسدين واللصوص ¿.
ماذا بقي لنا سوى أن نعلن يأسنا وننعي أنفسنا، أو نبحث عن وطن بديل¿
د. عبد الله صلاح
18/4/2018

أعلنت اليأس

_عبد العزيز المقالح_

أنا هالكٌ حتماً
فما الداعي إلى تأجيل
موتي
جسدي يشيخُ
ومثله لغتي وصوتي
ذهبَ الذين أحبهم
وفقدتُ أسئلتي
ووقتي
أنا سائرٌ وسط القبورِ
أفرُّ من صمتي
لصمتي.

* * *
أبكي
فتضحكُ من بكائي
دورُ العبادةِ والملاهي
وأمّدُ كفي للسماء
تقولُ : رفقاً يا إلهي
الخلقُ – كل الخلق –
من بشرٍ ، ومن طيـرٍ
ومن شجرٍ
تكاثر حزنْهم
واليأسُ يأخذهم – صباحَ مساءَ –
من آهٍ ..لآه

* * *
حاولتُ ألاَّ أرتدي
يأسي
وأبدوا مطمئناً
بين أعدائي وصحبي
لكنني لما رحلتُ
إلى دواخلهم
عرفتُ بأنهم مثلي
وأن اليأس ينهشُ
كل قلبِ .
أعلنتُ يأسي للجميع
وقلتُ إني لن اخبـي .

* * *
هذا زمان للتعاسة ِ
والكآبةْ .
لم يترك الشيطانُ فيهِ
مساحةً للضوء
أو وقتاً لتذكار المحبةِ
والصبابةْ .
أيامهُ مغبرّةُ
وسماؤُه مغبرّةُ
ورياحه السوداء
تعصف بالرؤؤس العاليات
وتزدري التاريخ
تهزاء بالكتابةْ .

* * *
أنا ليس لي وطنٌ
أفاخر باسمهِ
وأقول حين أراه:
فليحيا الوطنْ .
وطني هو الكلماتُ
والذكرى
وبعضٌ من مرارات الشجنْ
باعوه للمستثمرين وللصوص
وللحروبِ
ومشت على أشلائهِ
زمرُ المناصب والمذاهب
والفتن .

* * *
صنعاء …
يا بيتاً قديماً
ساكناً في الروح
يا تاريخنا المجروح
والمرسوم في وجه النوافذ
والحجارة
أخشى عليك من القريب
ودونما سببٍ
أخاف عليك منكِ
ومن صراعات الإمارةْ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى