اخبار خاصة

المعركة الضرورية.. إنهاء الحرب وقطع اليد الإيرانية يمران من الحديدة

اخباري نت ، سهيل القادري:

لماذا الساحل الغربي اليمني ومحافظة الحديدة مهمان للأمن الإقليمي والدولي؟ ولماذا هما مهمان لإيران، وأهم للسعودية؟ لماذا يجب أن يكونا بحوزة قوة مسؤولة؟ ولماذا ينبغي تخليصهما من الأيدي الإيرانية؟ وما موقعهما في مسار الحرب الدائرة باليمن؟ ما المردود الأمني وحتى الإنساني من تحريرهما؟

هذه المادة تحاول الإجابة:

الممر المهم

تنبع أهمية الساحل الغربي اليمني من إطلاله على جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب الرابط بين ثلاث قارات، ويكمن الاهتمام الدولي به لأسباب تجارية- اقتصاية، وأمنية.

يمر عبر المضيق قرابة 57 سفينة يومياً، ما يجعل 7 بالمئة من الملاحة الدولية تسير خلاله، وما بين 12- 15 بالمئة من حجم التجارة العالمية، ومن خلاله يمر ما بين 4- 5 ملايين برميل نفطي تمثل 7- 10 بالمئة من تجارة النفط في العالم، ويعتبر بذلك رابع أكبر ممرات النفط الدولية.

نتيجة لأهميته في التجارة العالمية فإن العناية الدولية بجنوب البحر الأحمر تتضاعف جراء القلق الأمني العالمي الناجم من ضعف الدول المحيطة به، المؤدي بطبيعة الحال إلى بروز مجموعات منفلتة غير مسؤولة تشكل خطراً على أمن الملاحة، كما حدث من مشكلة القراصنة الصوماليين، ونجاح أول عمليات إرهابية بحرية استهدفت مدمرة أمريكية وسفينة فرنسية أوائل الألفية، وفي الوقت الحاضر عمليات استهداف الحوثيين سفناً حربية وتجارية.

أما إقليمياً، فتتزايد أهمية مضيق باب المندب، لا سيما لمصر والسعودية، فهو بالنسبة للأولى فتحة الأنبوب البحري المقابلة لقناة السويس، وعبره تمر 98 بالمئة من سفن وبضائع القناة التي ترفد الخزينة المصرية بمليارات الدولارات سنوياً.

ويمثل المضيق، واليمن المطلة عليه، أهمية كبرى للمملكة العربية السعودية ضاعفها الصراع الإقليمي بينها وبين إيران.

رئة المضايق

تشكل كل من السعودية وإيران اثنتين من أهم بلدان الشرق الأوسط مساحة وثروات طبيعية.

ولكل منهما نقاط قوة وضعف، دائمة ومؤقتة، تحدد إلى حد كبير، بل وحاسم طبيعة العلاقة، وموقع الأفضلية في الصراع بينهما.

تتميز إيران بالحجم السكاني المتجاوز 80 مليون نسمة، وتنوع مقبول في ثرواتها الطبيعية، وتمثيلها كدولة دينية شيعية صريحة، سلطة ومجتمعاً، مركز جذب لولاء بقية شيعة العالم.

وتتركز عوامل ضعفها في التعدد العرقي والثقافي، وإلى درجة ما الديني والمذهبي، وفي الناحية الاقتصادية، تواجد معظم ثروتها النفطية والغذائية في منطقة الأحواز ذات الغالبية السكانية العربية، والمتطلعة للاستقلال.

أما المملكة السعودية، فتمتلك مصادر قوة أساسية أهمها ثروتها النفطية الهائلة، وضمها أهم المقدسات الإسلامية، وعمقها العربي. إلا أن هناك أسبابَ ضعفٍ بينها، اعتمادها شبه الكلي على النفط، الواقعة أكثر حقوله في مناطق أغلب سكانها شيعة جعفرية قليلي الانسجام مع الأيديولوجية الوهابية، السلفية، السنية في المجتمع والدولة.

في علاقة الصراع بين الدولتين، أهم عوامل القوة، الدائمة، لإيران، وبالموازاة الضعف للسعودية، متصل بالشريط الساحلي لكل منهما.

تطل إيران من الشرق على الخليج العربي وتتحكم بمضيق هرمز، أهم معابر النفط في العالم، ويواصل شريطها الساحلي امتداده إلى ما بعد المضيق ليجعلها مفتوحة على المحيط الهندي.

بالمقابل، من الناحية الظاهرية، لدى المملكة شريط ساحلي، يفوق قليلاً طول الساحل الإيراني، ويمتد لأكثر من 2500 كيلو متر، ويشرف على بحرين، هما الخليج العربي والبحر الأحمر، ما يضعها بين واحدة من أهم البلدان العربية البحرية من حيث طول شريطها الساحلي، لكن في حقيقة الأمر، تعتبر السعودية في الظروف الاستثنائية دولة حبيسة بحرياً، كون البحر الأحمر والخليج بحرين مغلقين تتحكم بالأول قناة السويس شمالاً ومضيق باب المندب جنوباً، وتتحكم بالثاني إيران المشرفة على مضيق هرمز. وإن حدث توتر إقليمي فيمكن أن يؤدي في حده الأقصى إلى إغلاق المضيقين وإصابة نصف تجارة النفط العالمية في مقتل، وضرب أهم مصدر لدخل دول الخليج العربية بما فيها السعودية.

سيناريو تشاؤمي، في الغالب لن تسمح الدول الكبرى في العالم بحصوله، ومع هذا من حق السعودية أن تقلق من وضع الممرات المائية لتجارتها، خصوصاً إذا كان لغريمها الإقليمي اليد العليا في تحديد مصير هذه الممرات.

الحاصل في هذا الصدد أن إيران تطل فعلاً على مضيق هرمز وتطاولت إلى جنوب البحر الأحمر عن طريق وكيلها في اليمن، جماعة الحوثي، وسيطرتها على جزء كبير من محافظة الحديدة اليمنية المطلة على هذا البحر، وقد مارس الحوثيون عدداً من المحاولات والعمليات البحرية المقلقة أمنياً واقتصادياً، مستهدفة سفناً نفطية بينها سعودية.

خطت المملكة في وقت سابق باتجاه التخلص من القبضة الإيرانية على مضيق هرمز، لترفع مستوى أمان تجارتها النفطية بمد أنبوب يمكنه تمرير نصف إنتاجها، الحالي، إلى البحر الأحمر، بيد أن جدوى هذه الخطوة تتضاءل كثيراً مع امتداد اليد الإيرانية، وهو القائم عملياً، قرب باب المندب، بالأخص وأن معظم النفط السعودي يتجه إلى آسيا، ما يعني أن ما بين 80- 90 بالمئة منه لا مناص من مروره خلال المضيقين.

في واقع الحال، نزع الساحل اليمني الغربي من الحوثيين الموالين لإيران يقع في دائرة المصالح الاستراتيجية السعودية.

دموع التماسيح الإنسانية

العام الماضي حققت القوات الحكومية تقدماً كبيراً وسريعاً في الساحل الغربي لليمن، وصل خلال أيام إلى أحياء في مدينة الحديدة، أكبر مدن الساحل والتي تضم أهم الموانئ اليمنية، وتمكنت تلك القوات المدعومة من تحالف تقوده السعودية من تطويق شبه كامل للمدينة.

في الأثناء تصاعدت دعوات دولية لوقف حرب الساحل تحت لافتة خطورة التداعيات الإنسانية، لتنتهي بتواطؤ أطراف في السلطة اليمنية المعترف بها دولياً بإبرام اتفاق تهدئة عسكرية، ووقف لإطلاق النار في العاصمة السويدية ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة.

الاتفاق لم ينه الاقتتال تماماً، ونقل الوضع العسكري إلى حالة اللا حرب واللا سلم، كما لم يعالج الشأن الإنساني بشكل مقبول، هذا إذا لم يكن قد فاقمه.

التقدم السريع للقوات في وسط شعبي نافر من الطائفية الحوثية وأرض مكشوفة تؤهل الطيران الحربي للقيام بدور حاسم، كان باستطاعته أن يختصر الكلفة الإنسانية لشهور فقط، سواءً لناحية الضحايا البشرية للمقاتلين من الطرفين، ومن المدنيين، وكذلك موجات النزوح ودمار البنية التحتية، بخلاف ما هو قائم راهناً منذ دعوات وقف إطلاق النار ثم اتفاق السويد، لا سيما مع إمكانية تفجر حرب واسعة وشاملة هناك وموت الاتفاق المحتضر منذ أيام ولادته الأولى.

خلال أكثر من سنة نزح عشرات الآلاف من سكان الساحل بينهم من استنفد طول فترة النزوح، بلا أفق، مدخراته، ومن عاد أو اضطر للبقاء يعيشون في أوضاع إنسانية مأساوية جراء تقلص مصادر دخلهم من الصيد البحري، ومن المزارع بسبب حالة من عدم الأمن ناجمة عن وضعية اللا حرب واللا سلم السائدة في المنطقة الساحلية، وتضاعفت المشكلة الإنسانية نتيجة زراعة الحوثيين بشكل واسع لألغام وعبوات ناسفة في الطرقات والمزارع وحتى منازل وشوارع داخل المدن.

الكلفة الإنسانية حتى مع الهدنة الهشة قائمة، وفي حال انفجار الحرب الواسعة، المرجح وقوعها في أية لحظة، ستكون باهظة، على اعتبار أن مدن الساحل وقراها باتت اليوم مكتظة بالمقاتلين والسلاح والألغام والتحصينات، ولن تقارن الكلفة وقتها فيما لو واصلت القوات الحكومية تحريرها من أيدي الحوثيين قبل أكثر من عام.

كلما زاد أمد الهدنة الرخوة دون الوصول إلى اتفاق سياسي شامل للمشكلة اليمنية ستزداد الكلفة العسكرية والاقتصادية والإنسانية، وتصعب المعركة المرتقبة أكثر. في مقابل مزايا يمكن أن يجنيها العالم والإقليم والسلطات الشرعية اليمنية في حال عدم التعويل على اتفاق السويد البطيء كسلحفاة تشارف على الموت.

عائدات التحرير

دولياً، سيكون تحرير الساحل المطل على جنوب البحر الأحمر من اليد الطولى لإيران أفضل للتجارة والأمن العالميين، وسيقلص رهان الورقة اليمنية في السياسة الإيرانية.

إقليمياً، وتحديداً ما يخص المملكة السعودية، انتهاء النفوذ الإيراني جنوب البحر الأحمر سيخفض فرص الضغط على تجارة النفط السعودية خصوصاً وأن هذا البحر سيكون مجالا أوفر حظا لعمليات إيرانية من أعمال إقلاق مباشرة في الخليج ومضيق هرمز، من جهة، لإمكانية التنصل الإيراني في البحر الأحمر البعيد عن سواحلها، ومن جهة ثانية لحجم الإثارة الذي قد يحدث ردود أفعال عكسية للدول الكبرى بما فيها ذات العلاقات الجيدة مع طهران في جنوب شرق آسيا، نظرا لضم الممر الخليجي أربعين بالمئة من تجارة النفط العالمية، بينما من الممكن احتواء التداعيات الناجمة عن عمليات في البحر الأحمر. كما أن طول الحرب اليمنية سيسحب من رصيد السمعة الدولية للمملكة السعودية.

تحرير الساحل الغربي اليمني سيحرم إيران من ميزة الإطباق على الممرين الأهم لعبور نفط المملكة، المورد الرئيسي لقوتها الاقتصادية وبالنتيجة لمكانتها السياسية في الإقليم والعالم.

بالتأكيد سيبقى وجود الحوثي كوكيل إيراني على الخاصرة الجنوبية للسعودية عامل قلق، وسيشكل فك الكماشة المكمل للفك العراقي الموالي أيضا لإيران، إلا أنه سيكون بدون البحر بلا أنياب قاطعة، ومن السهل السيطرة عليه كما هو حاصل مع الشريط الحدودي مع العراق، فضلا عن أنه سيقلل من الحماسة الإيرانية تجاه الحوثي.

وعلى المستوى الداخلي اليمني، المتشابك بطبيعة الحال مع المصلحة السعودية، سيساعد تحرير الساحل في حسم الحرب مع الحوثيين كونه سيقطع شريان المساعدات النفطية والتسليحية الإيرانية، ولن يكون المعبر العماني المتواطئ من تحت الطاولة قادرا على التعويض، بجانب ما ستمثله معركة الحديدة من استنزاف للمليشيا الحوثية في معركة تعتبرها مصيرية لمدينة ومنطقة بمثابة رئة التنفس لها، وتتفوق حتى على صنعاء في هذه الناحية، ويكفي العودة بالذاكرة إلى بضع سنوات لإدراك أهمية الحديدة والساحل الغربي إجمالا للمليشيا، إذ كانت أحد أسباب الانقلاب في 2014 على إثر إعلان خريطة الأقاليم اليمنية، وحرمان إقليم آزال الذي يضم صعدة، معقل الحوثيين من منفذ بحري.

إنسانياً، ملف الحديدة، المحافظة المطلة على معظم الساحل الغربي، سيخفف التكاليف الإنسانية لجهة إنهاء حالة تعليق النازحين، وتفكيك حقول الألغام، وتمكين عودة النشاط السمكي، والزراعي لمحافظة تنتج ثلث السلة الزراعية في البلد.

سياسياً، القوى الفاعلة على الأرض في الوقت الراهن، الحوثيون، المجلس الانتقالي الجنوبي، السلفيون، الإصلاحيون الذين يمثلون القاعدة الحالية الأساسية للرئيس هادي، والمؤتمريون، وجميعها تمتلك أذرعا عسكرية، وفوق ذلك تسيطر عسكريا على مدن مهمة، ما عدا المؤتمر الشعبي العام. وفي الظروف الحربية يكون للبندقية دورها في رسم المشهد السياسي لما بعد الحرب.

المؤتمر يحوز قوة سياسية، وإن كانت مفككة لدرجة ما حاضرا، ناجمة عن وضعه السياسي لما قبل 2011 كأغلبيته البرلمانية وخبرة رجاله السياسية في إدارة الدولة، بيد أن هذه القوة محرومة من موقع عسكري ساند يوازن قوة السيطرة للمكونات الأخرى، الحوثي في صنعاء ومدن الشمال، المجلس الانتقالي والسلفيون في عدن ومناطق جنوبية، الإصلاح في مارب المحافظة النفطية.

الفجوة القائمة في التوازن العسكري تجعل من الحديدة موقعا مرشحا وممكنا للقوات الموالية للمؤتمر، اللازم لتلطيف الجو السياسي لما بعد الحرب كحزب ليبرالي وسطي بين مكونات سياسية دينية في أغلبها، سواء مع الهزيمة الكاملة للحوثيين أو مع بقائهم في المشهد بأي صيغة وأي حجم، إضافة لمساعدة التوازن على الأرض في لجم توجهات الإقصاء، وكذا تسهيل رعاية التحالف العربي والسعودية بمقدمته لمفاوضات بين اليمنيين.

الحديدة، معركة لن تكون نزهة مجانية وبدون ثمن ذي قيمة، بالموازاة لن تكون صعبة في سهل ساحلي مكشوف، ومردودها تقصير أجل الحرب وخنق الحوثي، وقطع اليد الإيرانية في البحر الأحمر، وإعادة اليمن إلى عملية سياسية طبيعية ترجعه للصف العربي وتسهم في أمن المنطقة والعالم.

معركة الحديدة، مشرط الجراحة المؤلم لكن الضروري لإنقاذ حياة واستمرارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى